مع ساعات الصباح الأولى تنطلق النازحة الأربعينية من ريف حلب سلمى أبوعلي مع ابنتها سناء (13 عاما) إلى السهول المجاورة لمخيم النازحات السوريات الأرامل و المطلقات بجنوب بلدة بر الياس بشرق لبنان.

عزلت سلمى نفسها في هذا المخيم المغلق على الرجال لـ”تفادي الألسن والأعين البذيئة” بعد مقتل زوجها في احدى معارك حلب في بداية الحرب في سوريا قبل نحو عشر سنوات. و تعمل سلمى وابنتها حوالي سبع ساعات يوميا في زراعة الخضار وسط السهول قرب المخيم بأجر يومي ثلاثة دولارات للوالدة ودولار ونصف لابنتها. و قالت سلمى لوكالة أنباء (شينخوا)، إن مجموعة من النازحات السوريات أقمن في المخيم منذ حوالي سبع سنوات تحت شعار “العزلة والهروب من الاعتداءات الجسدية والتحرش الجنسي”.
و ذكرت أن جمعية خيرية كويتية عملت على استئجار الأرض التي أقيم عليها المخيم وجهزتها بـ30 خيمة كما تكفلت بدفع فواتير الكهرباء والماء وتقديم مساعدات عينية للنازحات مؤكدة أنه لا علاقة من قريب أو بعيد لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالمخيم. و أضافت “بكل أسف ودون معرفة الأسباب، أوقفت الجمعية الكويتية مساعداتها للمخيم منذ أكثر من عام، وقد عملن النازحات على تشكيل لجنة مصغرة منهن، تتولى تأمين ما أمكن من مساعدات عبر الخيرين وبعض الجمعيات المحلية ولجان المساجد”.
كما أناطت اللجنة مهمة حماية المخيم بنازح مسن يعاونه مجموعة من الشبان يحرصون على منع الرجال من دخول المخيم مهما كانت الأسباب. و قالت النازحة من حلب بهاء السوسي “التحقت بهذا المخيم احتراما لروح زوجي الذي قضى ظلما، فوجدت في العزلة هنا ملاذا آمنا، وهمي العناية بأولادي وتدارك غدر الرجال”. و أضافت “مهمتنا صعبة في هذا المخيم، فنحن هنا نقوم مقام الرجال في الكثير من الحالات وعلينا تأمين مستلزمات الحياة إلى جانب ترتيب ونظافة الخيم والعناية بالأطفال، متكلين على سواعدنا والتقديمات النادرة لبعض الجهات المانحة والخيرين”.
و تشكو بهاء الغلاء الفاحش في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية وانخفاض قيمة الليرة اللبنانية أمام الدولار وتفشي فيروس كورونا وكلها عوامل سلبية كما تقول “قلبت حياتنا رأسا على عقب”. و ضم هذا المخيم في البداية 30 نازحة مع أطفالهن وارتفع العدد لاحقا إلى 42 نازحة، ليتجاوز عددهن مع أطفالهن حدود ال 250 فردا، بحسب ما قالت النازحة الأربعينية آمال ابو العزي لـ (شينخوا). و بالنسبة للنازحة ليلى أبوعلي (43 عاما)، فإن العيش في هذا المخيم “يعني الطمأنينة وتلافي الاعتداءات والابتعاد عن تحرش الذكور”.
و ليلى هي أم لثلاثة أطفال وكانت فقدت زوجها خلال الحرب السورية. و قالت ليلى “في هذا المخيم تنال المرأة الأرملة الاحترام من المجتمع بعدما نذرت نفسها لأولادها وتفرغت لهم وباتت بمثابة الأب والأم، بعيدا عن النميمة والقيل والقال” . و أشارت الى “جهد كبير تبذله النساء في المخيم لجهة أعمال التنظيف والعناية بالخيم التي تصدعت بفعل الرياح والأمطار والاهتمام بشبكة المياه الآسنة التي لحقها الاهتراء”. و يقدر عدد النازحين السوريين في لبنان بحوالي 1.3 مليون نازح يعيش معظمهم في أكثر من 1400 مخيم عشوائي في مختلف المناطق اللبنانية.
و يعاني المجتمع النازح في لبنان من البطالة نتيجة انعدام فرص العمل بسبب الوضع الاقتصادي الصعب وتداعيات فيروس كورونا و نسبة قليلة منهم تجد عملا موسميا في السهول الزراعية بأجر زهيد. و تشير تقارير واردة عن منظمة الأمم المتحدة الى أن أطفال النزوح في مراكز الايواء والمخيمات يناهزوا الـ 55 بالمائة من عدد النازحين ونسبة 85 منهم خارج المدارس. و رغم قسوة حياة النزوح، تشعر لاجئات بالراحة النفسية في هذا المخيم مع سيدات عانين نفس الظروف.
و قالت سوسن الجبلي “أشعر بالراحة النفسية في هذا المخيم، فقد أمضيت فيه حتى الآن ثلاث سنوات مع طفلي أحمد وشقيقته هناء بعد طلاقي من زوجي الذي تخلى عن تربية أولاده بحجة وضعه الاقتصادي الصعب”. أما النازحة من ريف حماة سارة أبو غانم فقالت “نعيش حياة أخوية هنا ونشعر كأننا عائلة واحدة تجمعنا مأساة واحدة فقد خسرنا جميعنا أزواجنا بسبب الطلاق او نتيجة للحرب الدائرة في بلدنا، فالمخيم هو ملجأنا وواحتنا بعيدا عن الرجال”.
و أضافت “في الكثير من الأوقات نتجه ناحية الفرح في محاولة للخروج من همومنا فنقيم حلقات الدبكة والرقص والغناء، لنرسم معها البسمة على شفاه أطفالنا الذين حرمهم النزوح بهجة الحياة وحلاوتها”. من جانبها قالت الخمسينية نجاح عطوي انها مع أطفالها الثلاثة تغلبت في المخيم على الكثير من المعاناة النفسية وباتت في حالة من الاستقرار النفسي بعيدا عن القلق والتوتر. و أضافت “نشعر في هذا المخيم براحة نفسية مع سيدات عانين نفس الظروف في ظل شعور أخوي وهذا ما يعزينا في غربتنا القسرية عن الوطن”.
(المصدر: شينخوا)