استطاعت الفتاة الثلاثينية صفاء عسران أن تنهي العشرات من خصومات الثأر المنتشرة في محافظات صعيد مصر جنوب القاهرة، بعد أن لقت مبادرة أطلقتها لهذا الغرض قبولا في الشارع الصعيدي ودعما حكوميا.

أطلقت عسران، وهي من مدينة نجع حمادي بمحافظة قنا جنوب القاهرة، مبادرة “درع التسامح.. صعيد بلا ثأر” للمساهمة في حل مشكلة الثأر، التي تنتشر في محافظات الصعيد، وتهدد النسيج الاجتماعي هناك. و تمكنت الفتاة الصعيدية، من خلال مبادرتها أن “تنهي نحو 300 خصومة ثأرية” حتى الآن في محافظات مختلفة، عبر عقد جلسات عرفية بين طرفي الخصومة من أجل الصلح بينهما، حسبما ذكرت في تصريح لوكالة أنباء (شينخوا).
و أضافت عسران، أن “الثأر من الموروثات السيئة في صعيد مصر، وراح ضحيته العديد من خيرة الشباب بسبب القبلية والعادات والتقاليد، لذلك أطلقت مبادرتي لوقف نزيف الدم”. و أوضحت أنها أطلقت المبادرة بعد أن شهدت القرية التي تعيش فيها خصومة ثأرية بين عائلتين، أرقت كل سكان القرية، التي كانت تشهد إطلاق أعيرة نارية ليل نهار.
و تابعت أنها تدخلت للتوسط بين كبار العائلتين، ونجحت بالفعل فى إنهاء الخصومة الثأرية فى غضون شهرين، لتتوالى بعد ذلك مسيرة المشاركة فى المصالحات بقرى الصعيد. و تحظى مبادرة عسران بدعم من المسؤولين في وزارات الداخلية، والشباب والرياضة، والتنمية المحلية. و قالت الفتاة الثلاثينية، إن “القيادات الأمنية فى محافظة قنا أول من دعموني، ما شكل حافزا لي للاستمرار فى المشاركة” في حل الخصومات الثأرية.
و شاركت عسران في مسابقة طرحتها وزارة الشباب والرياضة حول مبادرات الشباب، وفازت مبادرتها بالمركز الأول على مستوى الجمهورية. و أضافت الفتاة الصعيدية، “لقد طلب وزير الشباب والرياضة مقابلتي عقب الفوز بالمسابقة، واستمع لتفاصيل المبادرة التى نالت إعجابه، وطالبني بالاستمرار، بل كان يتابعني بشكل شخصى تليفونيا، وقال لي إن فكرة المبادرة تساهم في وقف نزيف الدم بين الشباب، لأن جميع القتلى (جراء الثأر) شباب”. و أردفت أن “وزير الشباب والرياضة لم يكتف بدعمي بل عرض مبادرتي علي مفتى الديار المصرية ووزير التنمية المحلية..
و صممت درع التسامح (الذي يمنح لأولياء الدم) بحيث يحمل أسماء وزيري الشباب والرياضة، والتنمية المحلية، والمفتي، كنوع من تشجيع ولي الدم على الصلح”. و قبل أيام، التقى وزير التنمية المحلية محمود شعراوى بعسران، وأشاد بمبادرتها “الفريدة” التى تساهم في نشر قيم التسامح وحماية الأرواح، مؤكدا دعم وزارته للمبادرة من أجل “محاربة الثأر” فى محافظات الصعيد. و استطردت عسران، “لقد نجحت فكرة درع التسامح فى كسر الحواجز التى تواجه ولي الدم.. لأن حصوله على الدرع تجعله يشعر أن الدولة تقوم بتكريمه”. و أشارت إلى أنها تتلقى اتصالات كثيرة من مواطنين في الصعيد يطلبون منها المساعدة فى حل بعض الخصومات الثأرية.
و عن أبرز الخصومات التى تمكنت من حلها، قالت عسران إنها تدخلت لإنهاء خصومة راح ضحيتها خمسة أفراد، واستمرت ثلاث سنوات بين ثلاث عائلات في مركز أبوقرقاص بمحافظة المنيا. و أضافت “لقد عقدت جلسات عرفية على مدار تسعة شهور متواصلة مع ولى الدم إلى أن نجحت فى إنهاء مسلسل الدم بين العائلات الثلاثة”. و من ضمن الخصومات الثأرية أيضا تلك التي كانت بين أسرتي العسيلي والحسيني بمركز دشنا في قنا. و قال محمد قرشى العسيلى، إن الخصومة بدأت مع عائلة الحسينى بعد قامت الأخيرة قبل أربع سنوات بقتل ابن عمه الشاب البالغ 26 عاما.
و أوضح العسيلي لـ (شينخوا)، أن مساعى كثيرة بذلت للصلح بين الأسرتين، لكن عمى كان يرفض بشدة، وصمم على الثأر لابنه. و استدرك “لكن صفاء عسران اقترحت على عمي استلام درع التسامح ووقف نزيف الدم، وبعد عدة شهور من الزيارات المتكررة نجحت فى إقناع عمي وزوجته بالصلح، الذي تم بالفعل في سرادق كبير بالقرية وسط حضور أهالى القرية بالكامل والمحافظ ومدير الأمن”.
و زاد “لقد تسلم عمي درع التسامح كنوع من التكريم، وبعدها عاد الأمن لقريتى وعائلتي مرة أخرى، بعد حاله القلق التى كنا نعيشها بسبب الثأر”. و استطاعت عسران أن تحقق من خلال مبادرتها “المعادلة الصعبة” في حل الخصومات الثأرية، بحسب رئيس لجنة المصالحات بمحافظة قنا عبدالمعطي أبوزيد. و قال أبوزيد لـ (شينخوا) إن “عسران نجحت فى حل الكثير من المشكلات الثأرية، التى فشلت فيها لجنة المصالحات بكل أعضائها.
لأنها بكل بساطة لعبت علي وتر بسيط جدا وهو التكريم، الذى يضمن لولى الدم كرامته ويجعله مرفوع الرأس أمام الجميع فى قريته”. و أشار إلى أنه يتواصل معها فى جميع الخصومات الصعبة، بعد أن استطاعت أن تكون عنصرا مؤثرا بين العائلات أصحاب الخصومات الثأرية. و اعتبر أن “الثأر المشكلة الأساسية التى نعاني منها فى محافظات الصعيد، وتسببت فى مقتل عدد كبير من الشباب”.
(المصدر: شينخوا)