يواجه السودان صعوبات كبيرة لإعادة بناء النظام الصحي الذي ورثه منهاراً من نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، ومع جائحة كورونا تجسد التحدي في حماية مجتمعات محلية بمختلف الولايات تعاني الفقر وضعف التنمية وهشاشة البنى التحتية. وتعد الإدارات الأهلية، وهي مكونات تسمى النظارات لديها قانون ينظمها عبر وزارة الحكم الاتحادي السودانية، أهم شريك مجتمعي للحكومة في توصيل الضروريات العلاجية ووسائل الحماية للمجتمعات المحلية المغلقة.
يعتمد تسيير أمور الحياة في كثير من مجتمعات السودان على سلطة الإدارات الأهلية، وشيوخ القبائل والطرق الصوفية والعُمد. شرق السودان هو أحد أكثر الأقاليم فقراً خاصة ولاية كسلا التي تبعد 625 كم عن العاصمة الخرطوم، ولها حدود مع إريتريا ويربطها معبر حمداييت مع إثيوبيا. وتعيش في كسلا مجموعات سكانية متنوعة تشرف عليها الإدارات الأهلية. و يضم شرق السودان قبائل عديدة مثل قومية البجا التي تشمل «البداويت والتقرايت» وتتفرع منها قبائل وعموديات ومشايخ وبطون هي «الهدندوة والبني عامر والحلنقة والحباب»، وكذلك قبائل «الشكرية واللحويين والبوادرة والهوسا والفلاتا والنوبة والرشايدة».
و بعض هذه المجتمعات منغلق في مناطق جغرافية وأكثرهـا منصهر في المدن والقرى والبلدات، وبعضها له امتدادات في إريتريا وإثيوبيا المجاورتين بل وعبر البحر الأحمر في المملكة العربية السعودية. و أعلنت وزارة الصحة بولاية كسلا حالة الطوارئ الصحية منذ مطلع مارس الماضي ونسقت مع 14 منظمة تطوعية محلية وإقليمية للمشاركة في مواجهة كورونا وعمل المبادرات الطوعية إلى جانب نظار القبائل وعُمدها ومشايخها الذين انضموا إلى برامج التثقيف والتوعية ونشر المعلومات الكافية عن المرض وإجراءات الوقاية منه خاصة حظر التجول والابتعاد عن التجمعات والازدحام.
المستشفيات قبل العلاج الشعبي
ناظر عموم قبائل البني عامر محمد علي دقلل أكد لـ«الرؤية» أن للإدارات الأهلية دوراً مهماً في تعزيز صحة المجتمع وتوعية الناس بالمخاطر الصحية والبيئية وفي حالة الكوارث ومشاركة الأجهزة التنفيذية والسلطات المختصة في توعية المجتمعات، خاصة في الأرياف والقرى البعيدة، بالإجراءات الوقائية الواجب اتباعها في مثل هذه الظروف.و أشار إلى أن التواصل يتم عبر العمد والمشايخ الذين يتبعون النظارة في المناطق المختلفة والنائية، لحث الناس على اللجوء للمستشفيات والمراكز الصحية بدلاً عن العلاج الشعبي، وكذلك الحفاظ على الموارد الطبيعية ومصادر المياه واتباع القانون والعمل به.
و أضاف أن أبناء النظارة وطلاب الجامعات دائماً يقومون بحملات صحية ويقدمون خدمات طبية بالتعاون مع وزارة الصحة، ولجان المقاومة، وهي مجموعات شبابية في الأحياء الشعبية لعبت دوراً مهماً في إسقاط نظام الرئيس المخلوع عمر البشير. من جانبه، أكد العمدة مبارك نافع النقيشي الرشيدي في نظارة قبيلة الرشايدة غرب كسلا لـ«الرؤية» أن نقص المراكز الصحية في المنطقة يبرز الحاجة إلى الحرص على تطبيق الإجراءات الوقائية دون تأخير عملاً بمبدأ «الوقاية خير من العلاج». و أوضح الرشيدي، الذي يعمل أيضاً معاوناً صحياً، أن الإدارة الأهلية تعمل منذ أكثر من شهر في تقديم إرشادات بالأسواق والمساجد كما تم الترتيب لعيادات متنقلة وإلزام سكان المنطقة بتطبيق توجيهات السلطات بحظر التجول.
رسائل توعية باللغات المحلية
من جهته، شدد الأمين العام لإمارة قبيلة الهوسا جلال الدين رابح في حديثه لـ«الرؤية» على أهمية توعية المجتمعات عبر اللغات السودانية المختلفة وضرورة التواصل مع أفراد هذه المجتمعات عبر طرق مختلفة حتى يتحقق الالتزام بالإرشادات الصحية الوقائية. و أضاف: «عبر الإذاعة المحلية في ولاية كسلا قدم عدد من أبناء القبيلة ومن خلال راديو المجتمعات رسائل توعية بلغة الهوسا وأيضاً بلغات قبائل أخرى وكان لها أثر واضح على تطبيق المواطنين للتباعد الاجتماعي والابتعاد عن التجمعات وأماكن الازدحام وإغلاق المحال التجارية التي لا ضرورة لعملها». و أكد رابح أن الهوسا كحال كل المجتمعات السودانية الأخرى، حريصون على التجمعات في المناسبات وغيرهـا، «وتحدثنا مع الجميع أن النظام الصحي ضعيف ولا يحتمل انتشار وباء خطير كجائحة كورونا».
(المصدر: الرؤية)