بعد يوم من وفاة 3 نزلاء في سجون تركيا بفيروس كورونا، أقر البرلمان التركي قانوناً يتيح الإفراج عن عشرات الآلاف من السجناء لتخفيف الازدحام في السجون وحماية المعتقلين من الإصابة بالوباء القاتل، لكن البعض انتقد القانون لاستثنائه المسجونين بتهم بالإرهاب واعتبروه سبة في جبين النظام القضائي التركي.
يواجه الآلاف في السجون التركية تهم الانتماء لحركة فتح الله غولن التي تعتبرها السلطات منظمة إرهابية وتتهمها بتدبير محاولة الانقلاب الفاشل عام 2016. و الاثنين، أعلن وزير العدل التركي عبدالحميد جول، أنه تم تشخيص 17 حالة بفيروس كورونا المستجد بـ5 سجون تركية، توفي 3 منهم أثناء تلقيهم العلاج. و كانت منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية حذرت من خطورة تفشي الوباء داخل السجون التركية، وقالت في بيان مطلع الشهر الجاري، إن التدقيق في حالات مئات السجناء، الذين تجعلهم أوضاعهم الصحية أكثر عرضة لخطر الوفاة إذا أصيبوا بفيروس كورونا، يبرز أهمية أن تشمل السلطات التركية هؤلاء السجناء في خططها الجديدة للإفراج المبكر المشروط أو الإقامة الجبرية رغم إدانتهم بموجب قوانين مكافحة الإرهاب.
و أشارت المنظمة إلى أن عشرات آلاف السجناء يقبعون خلف القضبان لصلاتهم بـ«حزب العمال الكردستاني» أو الجماعات اليسارية الثورية، أو الانتماء المزعوم إلى حركة فتح الله غولن، التي تعتبرها تركيا منظمة إرهابية وتتهمها بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة في 2016. المحلل السياسي التركي جودت كامل، قال لـ«الرؤية»، إن العديد من بلدان العالم أفرجت عن السجناء دون استثناء، في الوقت الذي ترفض فيه السلطات التركية العفو عن المساجين السياسيين، مشيراً إلى أن كورونا لا يستثني أحداً عندما يتسلل إلى جسده. و أضاف أن آلاف المعارضين والنشطاء السياسيين والحقوقيين والصحفيين يقبعون داخل الزنازين لمجرد أنهم مارسوا حقهم في التعبير عن الرأي، وعمدوا إلى فضح انتهاكات الرئيس التركي لحقوق الإنسان، وكشفوا زيف مسرحية محاولة الانقلاب الفاشلة في 2016.
كمت أشار إلى أن تركيا من البلدان المتخلفة فيما يتعلق بأوضاع السجون، لافتاً لوجود نحو 18 ألف امرأة من ربات المنازل والمدرسات خلف القضبان بتهم تتعلق بالإرهاب والانتماء لجماعة فتح الله غولن، ومعهن 800 طفل داخل السجن. و أكد أن الرئيس التركي لديه حس الانتقام، لأن هؤلاء المساجين فضحوه أمام الشعب وأمام العالم، ولا يبالي لو ماتوا جميعاً، متابعاً: «تركيا من البلدان المتقدمة في مناح كثيرة، لكن أوضاع حقوق الإنسان فيها متخلفة عن الكثير من الديكتاتوريات حول العالم». و يرى الباحث في الشأن التركي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية كرم سعيد، أن معضلة السجون التركية بدأت تشكل أزمة كبيرة في ظل هذا العدد الهائل الذي تقدره بعض منظمات حقوق الإنسان بنحو 80 ألفاً من المعارضين والصحفيين والنشطاء الحقوقيين، بعد توجه الدولة نحو الاعتقال لمجرد الاشتباه في الولاء للنظام الحاكم.
قال إن العالم يواجه فيروس كورونا بالجيش الطبي في وقت تعتقل فيه السلطات التركية نحو 20 ألفاً من العاملين في قطاع الصحة، ومثلهم في المؤسسات الأمنية. و أضاف لـ«الرؤية»، أن الاكتظاظ الحاصل في سجون تركيا في وقت تطالب فيه المؤسسات الصحية العالمية بالتباعد الاجتماعي وضرورة دخول الناس مسألة العزل ربما لم تستوعبه الحكومة التركية حتى الآن، وهو أمر قد يؤدي لتفاقم الفيروس بصورة غير مسبوقة، لافتاً إلى أن عدد المصابين بالفيروس وضحاياه من الممكن أن يكون أكبر مما ذكره وزير العدل التركي. و أكد أن تعنت النظام التركي في مسألة الإبقاء على السجناء السياسيين قيد الاعتقال وسط مخاوف كورونا سيكون له مردود سلبي على المدى البعيد، سواء على تشويه صورة نظام أردوغان خارجياً، أو حتى على المستوى الداخلي.
كما أكد أيمن عقيل، رئيس مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان، التي تقود تحالفاً يضم عشرات المنظمات الحقوقية من بلدان متفرقة، ضرورة فتح تحقيق عاجل في ملابسات وفاة السجناء الثلاثة، ومحاسبة المسؤولين عن التقصير الذي أدى لتسرب المرض للسجون. و قال لـ«الرؤية»، إن على الحومة التركية الالتزام بالقواعد الدنيا لمعاملة السجناء «قواعد نيلسون مانديلا»، توفير الرعاية الصحية اللازمة لحماية السجناء من الإصابة بالفيروس القاتل. و تعليقاً على موافقة البرلمان التركي على الإفراج عن المساجين والذي يستثني المتهمين في قضايا الإرهاب من العفو هو شذوذ تشريعي، موضحاً أن القانون قاعدة عامة مجردة تنطبق على الجميع، ولا يجب تجزئتها.
(المصدر: الرؤية)