تعاني ليبيا من نزاع مسلح راح ضحيته الآلاف، و ذلك عقب سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، كما تشهد البلاد، منذ التوصل لاتفاق الصخيرات عام 2015، انقساما حادا في مؤسسات الدولة، بين الشرق الذي يديره مجلس النواب بقيادة فايز السراج رئيس الحكومة المعترف بها دوليا و الجيش بقيادة المشير خليفة حفتر و المدعوم من طرف الإمارات، مصر و عدد من الدول الغربية. الجديد في هذا النزاع هو مشاركة المرتزقة بكثافة كبيرة، يأتون من دول مختلفة للمشاركة في حرب ليست بحربهم، فقط لأجل المال.
تطورات ميدانية حامية و متسارعة يشهدها الميدان الليبي نجحت خلالها قوات حكومة الوفاق المدعومة من تركيا بشكل مباشر في السيطرة على عدد من المدن غرب العاصمة طرابلس، هذا التقدم السريع و المفاجئ لقوات الوفاق جعل الأنظار تتجه نحو دور المرتزقة السوريين الذين واظبت تركيا على نقلهم منذ عدة اشهر من الشمال السوري إلى ليبيا. في هذا الصدد كشف المرصد السوري المعارض عن قيام تركيا بنقل أكثر من 5 آلاف مرتزق سوري إلى ليبيا، في حين أن عدد المجندين الذي وصلوا المعسكرات التركية من الشمال السوري لتلقي التدريب بلغ نحو 1950 مجند.
المرصد كشف ايضا ان غالبية هؤلاء المرتزقة الذين يتم نقلهم إلى ليبيا هم من الجماعات المسلحة التي تدعمهم تركيا بشكل مباشر في مناطق سيطرتها بسورية و يطلقون على أنفسهم أسم فصائل « السلطان مراد » و »لواء صقور الشمال » و »فيلق الشام » الذي تربطه علاقة متينة بجبهة النصرة المتطرفة. و يرى المرصد السوري المعارض أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يستغل الجماعات المسلحة السورية لتنفيذ مخطط التدخل التركي في ليبيا الذي يهدف إلى رسم خريطة جديدة لهذا البلد الغني بالبترول.
خلال الأسبوع الماضي، احتجز الجيش الليبي العديد من المرتزقة السوريين خلال القتال في طرابلس و أتاح لوسائل الإعلام الفرصة لإجراء مقابلات معهم بالتفصيل للاستماع من المصدر الأساسي لدوافع و كيفية مشاركتهم في حرب بعيدة عنهم. أصبحوا جزء من قضية هي ليست قضيتهم… كيف يمكن تفسير قرار السفر لمسافة تزيد عن ألفي كيلومتر من سوريا إلى ليبيا للمشاركة في حرب غريبة؟ “لقد خدعنا، لم نأت للمشاركة في أي حرب كانت، جئنا لحراسة المنشآت التركية و من أجل المال… و لكن في نهاية المطاف أنا أسير و من دون نقود”، هذه العبارة تجسد القاسم المشترك لقصص المرتزقة السوريين الذين وصلوا إلى ليبيا.
نشرت العديد من وسائل الإعلام في منتصف كانون الثاني/يناير من هذا العام، تقارير حول وصول المئات بل الآلاف من المرتزقة من سوريا إلى العاصمة الليبية طرابلس، و عن مشاركتهم في المعارك ضد » الجيش الوطني الليبي ». و كان قائد الجيش الليبي، خليفة حفتر، قد أكد هذه المعلومات في مقابلة مع “سبوتنيك” في شباط/فبراير هذا العام، وقال: “تستخدم تركيا وحكومة السراج الهدنة المؤقتة لنقل أعداد كبيرة من المرتزقة السوريين والجنود الأتراك والإرهابيين والأسلحة إلى طرابلس عن طريق البحر والجو. وهذا يعد انتهاك للهدنة. ونحن نحتفظ بالحق في الرد على هذه الانتهاكات”.
ثلاثة أشهر من العمل، 6 آلاف دولار أمريكي.. ثم العودة إلى الوطن أو إلى أوروبا…
أجرت وكالة “سبوتنيك” لقاء مع المرتزقة السوريين المعتقلين لدى الجيش الليبي خلال المعارك بالقرب من طرابلس والذين أكدوا على أنهم استدرجوا بالخداع و بتحفيزهم بالمال. و صرح أحد المرتزقة السوريين الذين أسرهم الجيش الوطني الليبي في منطقة بو سليم (طرابلس) بليبيا، محمد إبراهيم عدوي الذي صرح قائلا: “كنا نعلم أننا ذاهبون إلى ليبيا و لكن لم نكن نعرف أننا سنذهب من أجل قتال، نحن جئنا إلى ليبيا على أساس حراسة القواعد التركية و على أنه اتفاق بينهم و بين ليبيا “. و أكد محمد أن “هناك 190 شخصا من السوريين خرجوا و تمردوا على هذه الأوضاع و لكن للأسف أغلبهم تم سجنهم”. و أضاف: “كنا نقاتل الجيش الليبي، نحن جئنا إلى ليبيا على أساس عقد عمل كحراسة مقرات أتراك في ليبيا و لكن الجميع صدم بالواقع بعد وصولنا إلى ليبيا و هناك 190 شخصا قاموا بعملية تمرد بعد معرفتهم أنهم سيحاربون في ليبيا “.
وعلى الرغم من القصص والمواقف المختلفة، كان واقع حياة المرتزقة السوريين في طرابلس مختلفًا عن العقود الموعودة، فمن جانبه قال أحد المقاتلين في صفوف قوات الوفاق الليبية، و هو أسير آخر لدى الجيش الوطني الليبي، محمد عيد زيدان مصري: “التركي كان يلزم قادة الفصائل السورية بإجبار السوريين بأن يقضوا عقد عمل 3 أشهر في ليبيا، وثم يرجعوا إلى سوريا، هم قالوا لنا تروح تقضي عقد 3 أشهر وبترجع، وأنت مهمتك حراسة حقول نفط يعني نحرس النفط وبحسب العقد نحصل على 2000 دولار أمريكي ولكن بعد أن وصلنا لم نر 2000 دولار ولا أي شي يعني كله حكي فاضي”.
تحدث زيدان مصري، عن مشاركته بالعمليات في طرابلس، وقال: “لا عند وصولي كنت على مقرات المراقبة بحسب ما أخبرونا أنها تسمى كذلك (مراصد استطلاع) و بعد بـ 3 أيام من وصولي صارت عملية الالتفاف علينا و تم القبض علي هناك”. و يتابع مصري، تذكر كيف بدأ كل شيء هناك على بعد أكثر من 2000 كيلومتر من ليبيا: “لا لم يخبروننا بأننا سنقاتل في ليبيا هما أخبرونا أنه عقد عمل لحراسة حقول نفطية في ليبيا لمدة 3 أشهر فقط وبمقابل 2000 دولار أمريكي، وعند وصولنا الواقع اختلف لدينا و صدمنا لما حصل لنا في طرابلس”.
حكى محمد في حديثه عن الرحلة الكاملة إلى ليبيا مع مختلف رفقائه السوريين، منهم من أراد كسب المال و العودة للوطن و منهم من خطط لشيء آخر، “هناك أشخاص فكروا بالمجيء إلى ليبيا لكي تأخذ هذا المبلغ وبعدها تنتقل إلى دولة أخرى كهجرة غيرشرعية من ليبيا الكثير يفكرون بهذه الطريقة”. و أوضح محمد الذي أرسل إلى جبهة القتال فور و صوله، بأن المبلغ المذكور في العقد يبلغ 2000 دولار أمريكي، بغض النظر عن ماهية العمل، إن كان قتالا أو مراقبة أو حراسة، وقال: “قالوا لنا العقد قيمته 2000 دولار أمريكي و سلمت هذه الأموال إلى القادة السورين الموجودين في طرابلس و هم من يقومون بإعطاءها أو توزيعها و تقسيمها بين المقاتلين السوريين”.
المصدر: مأرب بريس + وكالات