ستهجان كبير ورفض عارم اجتاح وسائل التواصل الاجتماعي بعد اختيار اليمنية توكل كرمان، المقيمة في تركيا من قبل شركة «فيسبوك»، ضمن ما أطلق عليه «مجلس حكماء فيسبوك» لمراقبة المحتوى الخاص بالموقع.
المجلس مهمته كما عرف من اسمه مراقبة المحتوى في إطار محاولات الشركة الأمريكية للحد من خطاب الكراهية والعنصرية على منصتيها «فيسبوك وإنستغرام». لكن اختيار كرمان لهذه اللجنة يطرح تساؤلات حول ماهية دورها، وكيف ستتعامل مع خطاب الكراهية ودعوات العنف التي لا تتوقف من قبل عناصر جماعة الإخوان الإرهابية، خاصة أن «كرمان» معروفة بانتمائها لهذه الجماعة المتطرفة. الخطاب التحريضي وبث الكراهية والعنصرية وتوظيف الدين لخدمة أهداف سياسية هو السمة المميزة لأغلب من ينتمون لهذه الجماعة التي تنتشر خلاياها في العديد من الدول العربية والأجنبية، والعديد من قادتها مقيمون في دول غربية توفر لهم الحماية رغم ما ينشرونه على وسائل التواصل الاجتماعي من محتوى يعاقب عليه القانون.
كرمان نفسها استغلت نشاطها على وسائل التواصل الاجتماعي في العديد من المرات لتوجيه الاتهامات وتوظيف الدين. الأمثلة كثيرة على سلوك هذه المجموعات على وسائل التواصل الاجتماعي وهو ما يمثل تحدياً أمام الناشطة اليمنية وكيف ستتعامل مع مثل هذا المحتوى وهل ستتبنى الحيادية في التعامل مع هذا المحتوى الذي يبثه الإخوان وأنصارهم وخلاياهم النائمة التي تنشط للتحريض والدعوة للعنف وهل ستتجرأ على الإعلان عن ذلك. و من ضمن هؤلاء على سبيل المثال وليس الحصر، عضو مجلس شورى جماعة الإخوان، والمطلوب في قضية اعتصام رابعة العدوية، أحمد رامي الحوفي، الذي يواصل الهجوم على الدولة المصرية ومؤسساتها من إسطنبول، عبر حسابه على «فيسبوك»، وآخرها تأليب العائدين من الخارج بسبب جائحة كورونا.
القيادي الإخواني الهارب إلى الولايات المتحدة، بهجت صابر، مثال آخر على هذه النوعية من المحتوى التحريضي حيث يدعو إلى العنف وقتل أفراد الجيش والشرطة المصرية، عبر حساباته على «فيسبوك» و«يوتيوب». و ينشط أحمد المغير، وهو تكفيري مصري يعيش في تركيا على «فيسوك»، ويصف الدولة المصرية بالكافرة، وهي دعوة صريحة للعنف وقتل ضباطها وجنودها والمسؤولين فيها، وهو أيضاً خطاب كراهية. الناشط المصري وائل غنيم، الذي كان يشغل منصباً مرموقاً في عملاق البحث «غوغل» انتبه لتلك المعضلة التي ستواجه كرمان ووجه لها سؤالاً عقب الاختيار المثير للجدل عبر تغريدة على حسابه في موقوع تويتر وسألها ماذا ستفعل مع أحد مشاهير الإخوان ـ يدعى عبدالله الشريف ـ والذي عرف بهجومه وتحريضه على القتل مذكراً إياها بتغريدة للشريف تعود إلى 2014، يقول فيها إن «تجربة الدولة الإسلامية (داعش) وحماس، أنعشت أفكاراً وطوت ورتبت صفحات من الواقع».
و يرى عميد كلية الإعلام الأسبق بجامعة القاهرة، الدكتور سامي عبدالعزيز، أن اختيار توكل كرمان لهذا الدور يعني استمرار خطاب الكراهية في التفشي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مُضيفاً أن الحديث عن هذا الخطاب يستدعي جماعة الإخوان المسلمين التي تمثلها، فهذه الجماعة هي التي صنعت خطاب الكراهية وأسست له في المنطقة العربية، ودعت إلى تكفير الحكام وقتل أصحاب الديانات الأخرى من أهل الكتاب. و قال لـ«الرؤية»، إن هذا الاختيار يكشف حقيقة المؤامرة العالمية التي نسجت خيوط ما سمي بثورات الربيع العربي، وكشفت الأوراق تماماً عن القوى المعادية التي حركت قطع الشطرنج التي صنعت هذه المؤامرة. و أشار إلى أن إدارة «فيسبوك» تتجاهل آلاف أساتذة الجامعات والمتخصصين والنشطاء والداعين إلى الفكر الوسطي لصالح هذه الفتاة، وهو ما يثير الاستغراب.
المحلل السياسي اليمني، الدكتور عبدالملك اليوسفي، اعتبر أن الموضوع لا يشكل إنجازاً لتوكل كرمان، خاصة أن هذه المهمة مؤقتة والهدف منها وضع معايير للمحتوى المنشور عبر موقع فيسبوك. و قلل اليوسفي في تصريحاته لـ«الرؤية»، من أهمية الدور الذي ستلعبه كرمان مشيراً الى أنها لا تعمل منفردة فهي لن تقدم شيئاً من خلال هذا الدور. و قال الجميع يعلم أن سمعتها في الحضيض، فهي في مقابل ما تحصل عليه من تمويل قطري، تعمل على إثارة الفتن في اليمن، وتتبنى خطاباً يدعو للكراهية بدلاً من التسامح، ويدعو إلى الحرب بدلاً من السلام. و أضاف أنها لم تنتقد يوماً ما تقوم به الميليشيات الحوثية من انتهاكات يومية بحق الشعب اليمني الذي كان سبباً في حصولها على جائرة نوبل. وقال إن هذه الانتهاكات مثبتة ومعروفة بتقارير الأمم المتحدة ومنظمات دولية مرموقة ولكن كرمان لم ترها.
و أشار إلى أن كل ما يهمها هو خدمة الأجندة القطرية والتركية في مهاجمة الدول العربية مثل مصر والسعودية والإمارات والبحرين، مقابل ما تحصل عليه من تمويل، معتبراً أنها لن تتخلى عن ذلك من أجل الفيسبوك ولن تقدم جديداً في هذا الدور. و كيل وزارة حقوق الإنسان اليمنية، نبيل عبدالحفيظ، قال إن هذه المجالس كلها شكلية، وتضم شخصيات من جميع أنحاء العالم، ويتم التركيز على الشخصيات الحاصلة على جائزة نوبل لإضافة مصداقية لما يقومون به، ولأن المنطقة العربية جدباء من حاملي نوبل لأن أغلبهم توفي، فإن توكل هي الوجه المعروف حالياً، فالاختيار من وجهة نظره هو اختيار شكلي لن يساهم كما يتوهم الناس في تقديم إضافة لجهود فيسبوك لمراقبة المحتوى ولن تستطيع القيام بأي شيء.
و تابع: «سنكون سعداء بوجود شخصيات عربية في هذه المواقع، لكن شريطة أن تكون هذه الشخصيات متخصصة، فلقب نوبل وحده لا يكفي»، مشيراً إلى أن المنطقة العربية تذخر بالخبرات، وأن توكل اختارت أن تكون ضمن جماعة الإخوان المسلمين، وأن تنخرط كأداة في المشروع التركي القطري للمنطقة فالحيادية المطلوبة لهذا الدور هنا غائبة وهو ما يثير علامات الاستفهام حول الاختيار.
(المصدر: الرؤية)