تسعى الحكومة الجزائرية بشكل حثيث إلى «ضبط الممارسة الإعلامية» عبر التوفيق بين «الحرية والمسؤولية» في البلاد ووقف ما قالت إنها فوضى، إلا أن هذه المحاولات في نظر المعترضين تهدف إلى «تكميم الأفواه» والنكوص عن مطالب الحراك لتوسيع هامش الحرية.
وزير الاتصال الجزائري والناطق باسم الحكومة، عمار بلحيمر، أكد الأحد أن الحكومة تسعى للتوفيق بين الحرية والمسؤولية في الممارسة الإعلامية. و قال إن ورش العمل لإصلاح وتطهير قطاع الإعلام والاتصال في الجزائر، تنص عن بحث إجماع مرجعي ومفاهيمي تهدف إلى ممارسة «هادئة» لحرية الصحافة. و يترجم ما قاله الوزير بلحيمر، رؤية الرئيس تبون التي أكدها في آخر ظهور إعلامي له الجمعة الماضي حيث شدد على أنه يؤمن بحرية الصحافة إلى أبعد الحدود، لكنه لا يتسامح مع المساس بسيادة الدولة. و وعد تبون بإصلاح قطاع الإعلام والاتصال الذي يعاني من الفوضى حسب تقييم الفريق الإعلامي الذي يعمل معه منذ توليه رئاسة البلد.
و الإصلاحات التي تتبناها إدارة تبون هي سد الثغرات القانونية، حيث تعتقد أن الأمر يتعلق بأزمة نصوص، وهو ما أكده وزير الاتصال بالقول «هناك كثير من النشاطات خارجة عن القانون، حيث يعاني قطاع الاتصال من فراغ قانوني خطير وفادح يتطلب إعادة النظر في 5 قضايا عاجلة». تتعلق هذه القضايا بالضبط الذاتي بالنسبة للصحافة المكتوبة وتقنين نشاط القنوات الخاصة الخارجة عن القانون وتنظيم وكالة الاستشارة في الاتصال وضبط مجال الإشهار وتنظيم الصحافة الإلكترونية. و مبرر السلطة لفرض القيود على الممارسة الإعلامية كان احترام القانون وحماية أمن الدولة، وهو ما زاد مخاوف الإعلاميين، الذين يوجد بعضهم في السجون من بينهم مراسل قناة «تيفي 5 موند» الفرنسية، خالد درارني، الذي كان محل انتقاد الرئيس تبون الجمعة الماضي دون أن يسميه إلى حد اتهمه بالتخابر مع جهات أجنبية.
و قد أزعج الأمر دفاع درارني الموقوف في سجن الحراش، فأصدر بياناً يرفض فيه اتهامات الرئيس ويعتبرها توجيهاً للقضاء وضغطاً عليه ومساساً بالفصل بين السلطات واستقلال القضاء. أستاذ علوم الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر الدكتور حسين دوحاجي، يرى أن حرية الصحافة تشهد تراجعاً مقلقاً يدعو لوقفة جادة. وأشار دوحاجي في تصريح لــ«الرؤية» إلى أن الإعلام الخاص تحول إلى إعلام حكومي وفي بعض الأحيان إلى أكثر حكومية من الإعلام العمومي. و في حين تتغنى السلطة بتعدد الصحف والقنوات للتدليل على احترام حرية الصحافة، وهو ما أكد عليه الرئيس تبون مؤخراً، يرى الأكاديميون أن الجزائر تعيش عددية إعلامية وليس تعددية. و هو ما أشار إليه رضوان بوجمعة الخبير في الإعلام والاتصال، بالقول إن هناك الكثير من الأجهزة الإعلامية ولكن هذه العددية لا تعكس وجود تعددية في المحتوى الإعلامي في النقاش والخطاب والتوجهات والرؤى.
كما أشار إلى أن هذه العددية ترتبط بتعدد شبكات وجماعات المصالح التي تدور في فلك منظومة الحكم ولا تعكس التعددية والتنوع السياسي والفكري والاجتماعي وغيره الموجود في المجتمع. و قال بوجمعة: «من الناحية الاقتصادية تظهر الصحافة المكتوبة في غالبيتها الساحقة أنها تابعة وخاضعة اقتصادياً، من حيث الطباعة والتوزيع والتمويل». و يرى رئيس قسم علوم الإعلام والاتصال بجامعة تيزي وزو، الدكتور عبدالنور بوصابة، أن واقع حرية الصحافة في الجزائر لايزال تقريباً نفسه مع السنوات الماضية، فهناك دائماً مراقبة السلطة وحراستها لكل ما تقوم به وسائل الإعلام. و قال بوصابة لـ«الرؤية»: «بالرغم مما يصرح به الرئيس الحالي من تحرير قطاع الإعلام أكثر، الأمر نفسه مع فترة حكم بوتفليقة، هناك تضييق على الصحفيين، مثال سجن الصحفي خالد درارني، ونشطاء الرأي، فهذا كله تضييق.«
و يعتقد بوصابة أن مطالب توسيع الحريات التي رفعها الناشطون منذ أزيد من سنة من الحراك الشعبي «هي مطالب واقعية ومشروعة، لأن الصحفي وجد ليكون حراً ويمارس مهنته بكل حرية». و لكنه أكد أن «العاقل لا يقبل أن يتجاوز الإعلام حدوده، لأن الإعلام مسؤولية قبل كل شيء، فلا بد من وضع قيود لمن لا يحترم أخلاقيات المهنة التي يعرفها العام والخاص، كخصوصيات المجتمع وأخلاقه، فنحن نقر بوجود تجاوزات من طرف الإعلام خاصة السمعي البصري.« و دعا نور الدين بوصابة إلى «تفعيل آليات ضبط قطاع الإعلام برمته، دون المساس بالحريات المشروعة»
(المصدر: الرؤية)