في الوقت الذي تكافح به دول العالم والدول المتقدم للقضاء على وباء كورونا، تشهد دول أخرى تهديدات في النظم الصحية والاقتصاد، في حين أصبحت سبل العيش على حافة الهاوية.
في هذا السياق نشرت صحيفة الغارديان البريطانية مقالاً للكاتب والمحلل السياسي سيمون تيسدال وصف به الصعوبات التي تعاني منها الدول منخفضة الدخل والمتضررة من النزاعات بسبب وباء كورونا والتي ربما لم تعان من إصابات مبالغة كما في أوروبا وأمريكا ولكن تعاني من أضرار أخرى بسبب الوباء. و أشار المقال إلى أن هناك دولاً يقتلها الوباء بطرق مختلفة، من حيث فقدان الوظائف، وزيادة معدل الفقر، وارتفاع نسبة سوء التغذية وخطر المجاعة، وزيادة محتملة في تفشي العديد من الأمراض. و يعيش الأشخاص الأكثر ضعفاً في العديد من البلدان بطريقة أسوء من المرض، فهناك المزيد من العائلات التي يجب أن تختار بين الجوع والمرض، وتتفاقم محنتهم بسبب الظروف الكامنة التي تتمثل في المشاكل السياسية والاقتصادية المزمنة والقائمة من قبل والتي تتفاقم أكثر فأكثر.
و حذرت لجنة الإنقاذ الدولية الأسبوع الماضي من خطر تفشي الوباء في القارة الأفريقية ومناطق أخرى، وأكدت انه بدون إجراء حل دولي عاجل سيتسبب الفيروس بإصابة مليار شخص ووفاة أكثر من 3 ملايين في 34 دولة من ضمنها سوريا وأفغانستان. و على نفس السياق أصدرت منظمة الصحة العالمية تنبيهات مماثلة، ويرى تيسدال أنه حتى إذا تم تجنب هذه النتائج الكارثية بطريقة ما، فإن هذه الدول الفقيرة تواجه بالفعل أضراراً جانبية هائلة. و فقاً لتقديرات الأمم المتحدة، من الممكن أن يعاني نصف مليار شخص أو 8% من سكان العالم من الفقر بحلول نهاية العام، والمتسبب الأكبر في ذلك الوباء، وستتراجع جهود القضاء على الفقر 30 عاماً إلى الوراء. و حذر برنامج الغذاء العالمي من إمكانية حدوث مجاعات بسبب أزمة الوباء، مع تضاعف عدد الأشخاص الذين يعانون من الجوع إلى أكثر من 250 مليون شخص.
كما نوه إلى أن النقص في تمويل المانحين والمساعدات الغذائية سينتج عنها موت 30 مليون شخص في غضون أشهر. كما أشار تيسدال في مقاله إلى عدة صعوبات أخرى تعاني منها الدول الفقيرة، ومنها الصعوبات الاقتصادية وتلاشي الطلب، وسلسلة التوزيع المنهارة، وتعطل أسواق التصدير، مما يدفع البشر إلى حافة الهاوية، كما يؤثر على فئات متنوعة كمزارعي الأزهار في إثيوبيا وكينيا، ومزارعي الشاي في سيريلانكا، وعمال الملابس في بنغلاديش، حيث أفادت التقارير أن تعاقداتهم مع شركات في الولايات المتحدة قد ألغيت جميعها. و بحسب برنامج الغذاء العالمي تعد جهورية الكونغو الديمقراطية والسودان وجنوب السودان ونيجيريا وفنزويلا وهايتي من بين الدول الأكثر تعرضاً للخطر، إذ لا يستطيع الملايين من مواطنيها أن يحصلوا على طعامهم إذا لم يكن لديهم دخل.
أما اليمن البلد الذي عانى من الحرب الأهلية لسنوات، فهو أسوأ حالاً من معظم الدول الأخرى، إذ يعتمد نحو 12 مليون يمني على المساعدات الغذائية التي تعوقها ميليشيات الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران، كما يعني البلد من تفشي متكرر لمرض الكوليرا. و في جنوب السودان البلد الذي يعاني من النزاعات بسبب عدم القدرة على التعامل مع حالة طوارئ كوفيد -19، واجه 61% من السكان في عام 2019 حالة انعدام للأمن الغذائي وذلك بسبب الجفاف وغزو الجراد. و على الرغم من وجود 34 حالة إصابة بفيروس كورونا فقط حتى الآن دون وقوع وفيات، إلا أن مصدر القلق الرئيسي لجنوب السودان في الوقت الحاضر هو التأثير غير المباشر للوباء على المساعدات الإنسانية وإمدادات الغذاء وسبل العيش.
و أوضح سيدال أن دولة جنوب أفريقيا تشكل ثاني أكبر اقتصاد في القارة، ويقال إن إجراءات الإغلاق تكلف نحو 600 مليون دولار في اليوم، ومؤخراً تم تخفيف بعض القيود وسط مخاوف من أن 1.7 مليون شخص مهددون بأن يفقدوا أعمالهم. يشترك العديد من الأشخاص في جنوب أفريقيا، ثاني أكبر اقتصاد في القارة، في هذا المنظور. و أشار سيدال إلى أن تأثير الوباء على الوظائف عالمياً كان مدمراً، حيث أفادت منظمة العمل الدولية الأسبوع الماضي، أن 1,6 مليار شخص أي ما يقارب نصف إجمالي القوى العاملة في العالم مهددين بفقدان وظائفهم. و تشير التقديرات إلى أن الشهر الأول من الأزمة أدى إلى انخفاض 60% من دخل العمال غير الرسميين على مستوى العالم، وهذا يعني انخفاض بنسية 81% في أفريقيا والأمريكتين.
و صرح جاي رايدر من منظمة العمل الدولية بأن أكثر من 436 مليون مؤسسة معرضة للخطر، وعدم وجود دخل بالنسبة لملايين العمال في العالم يعني عدم وجود طعام أو أمن أو مستقبل. و من الآثار الأخرى للوباء التي ضربت الدول الفقيرة، فقدان التطعيمات، حيث أعلنت منظمة الصحة العالمية أنه سيتم تأجيل تطعيمات شلل الأطفال لنحو 12 مليون طفل في أفريقيا مع تحور الموارد لمحاربة فيروس كورونا، كما اعترفت بأن هذه الخطوة ستؤدي حتماً إلى المزيد من حالات شلل الأطفال. و حذر اختصاصي اللقاحات إدوارد باركر من تعطيل برامج التطعيم والذي يمكن أن تؤدي إلى انفجار بالأمراض التي تهدد الحياة.
الوباء غطاء الحكومات القمعية
و من ناحية أخرى أشار سيدال إلى أن أزمة الوباء ستوفر الغطاء للحكومات الخبيثة ويساعدها على متابعة سياستها، على سبيل المثال في ميانمار جدد الجيش قمعه للأقليات في ولايتي راخين وتشين. و صرحت منظمة حقوق الإنسان مؤخراً أنها تخشى تكرار الإبادة الجماعية التي حصلت في 2017 والتي بسببها أجبر 700 ألف مسلم من الروهينغا على الفرار. كما تسبب الوباء بالمزيد من الأضرار الجانبية في كشمير، حيث اتخذت الهند حجة الوباء لتستمر بالإغلاق غير القانوني. و أكد سيدال أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تتجاهل دعوة الأمم المتحدة لرفع عقوباتها عن الدول التي تعاني من الوباء مثل كوبا وفنزويلا وإيران. و تعجز مليارات صندوق النقد الدولي المخصصة لتخفيف العبء عن الدول الفقيرة عن إصلاح كل هذه الأضرار.
(المصدر: الرؤية)