أثارت مذكرة من المجلس الأعلى للقضاء في تونس، بشأن استئناف جزئي لعمل المحاكم بعد إجراءات الإغلاق بسبب وباء كورونا، خلافاً جديداً بين القضاة والمحامين وهو ما أصبح ظاهرة تتكرر منذ سقوط نظام زين العابدين بن علي في 2011.
أصدرت عمادة المحامين، التي تطالب بالتوسع في عودة عمل المحاكم، بياناً شديد اللهجة مساء الأربعاء، وقعه العميد إبراهيم بودربالة، أعلنت فيه رفضها لمذكرة المجلس الأعلى للقضاء بسبب ما وصفه البيان بـ«سياسة الانفراد بالرأي ومحاولة تهميش دور المحامين والسقوط تحت تأثير بعض الجمعيات في تجاهل ممنهج لطلبات قطاع المحاماة والإضرار بمصالح المتقاضين». و اعتبر البيان مذكرة المجلس بمثابة «إنكار العدالة وحرمان المتقاضين من حقهم في الولوج إلى العدالة وتعطيل السير العادي للمرفق والتسبب أكثر في تفشي المرض، إذ لا منطق لإعادة العمل في بعض المجالات دون غيرها، والتي يكون فيها الازدحام أكبر، وإبقاء التعليق في المواد التي لا موجب فيها لحضور المواطن، ما يؤكد أن المسالة تتعلق بموقف من المحاماة». و أعلن بودربالة الدخول في تحركات احتجاجية بداية من يوم الاثنين 4 مايو كما دعا الحكومة إلى اتخاذ قرارات ضرورية لإرجاع مرفق العدالة على حد تعبير البيان.
مذكرة المجلس الأعلى للقضاء وبيان عمادة المحامين تداولتهما منصات التواصل الاجتماعي وعبّر عدد من المحامين عن استيائهم من المذكرة التي جعلت سير التقاضي محدوداً جداً. و شكت التعليقات من نقطتين، الأولى تتعلق بالعبء المالي على المحامين المحرومين من النشاط والثانية تتعلق بصلاحيات المجلس الأعلى للقضاء الذي يفترض أن يهتم بشؤون القضاة فقط لا أن يتدخل في عمل المحاكم دون سماع رأي المحامين. و قال المحامي جلال الهمامي لـ«الرؤية» إن المسألة «تتعلق بالمبدأ فالمجلس الأعلى للقضاء ينظر في ترقيات القضاة والحركة القضائية والعقوبات وليس من حقه التعامل مع المرفق القضائي وكأنه طرف وحيد فيه وفهناك المحامون ومساعدو القضاء والإدارة وبالتلي فاتخاذ قرارات أحادية غير منطقي». و أضاف أنه «يمكن اعتبار مذكرة المجلس غلقاً للمرفق القضائي وتعطيلاً لسير القضاء ومصالح المواطنين في قضايا الشغل والنفقة الزوجية والكثير من القضايا المدنية».
و قال المحامي حسن الكراي لـ«الرؤية» إنه كان من المفروض أن تتواصل القضايا المدنية ليس مراعاة لمصالح المحامين رغم الأعباء المالية التي يواجهونها ولكن مراعاة لمصالح المتقاضين، خاصة أن هذه القضايا لا تشترط حضورهم. من جهته، نفى رئيس المجلس الأعلى للقضاء يوسف بوزاخر اتهامات المحامين، مؤكداً أن المحاكم تعمل زمن الحجر الصحي بطاقتها الدنيا احتراماً للشروط الصحية لكنها لم تغلق أبوابها. و في تعليق على بيان عمادة المحامين قال، في تصريحات إذاعية، إنه يحترم دعوة العمادة للاحتجاج لكن لا وجود لأي استهداف للمحامين من طرف القضاة، وأشار إلى أن المرفق القضائي سيستأنف العمل تدريجياً حسب تطور الوضع الوبائي في البلاد.
و اعتبر القاضي علي الشورابي أن أبواب الحوار يجب أن تبقى مفتوحة رسمياً بين العمادة والمجلس وودياً بين القضاة والمحامين «وبهم جميعاً ينهض المرفق القضائي ولا يمكن أن يطير بجناح واحد». و تأتي الأزمة الجديدة في سياق مناخ الشد والجذب في تونس بين القوى التي تشكل النخبة التونسية، والتي لعبت دوراً كبيراً، إلى جانب الاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والحركة النسوية، في التحولات التي عرفتها تونس منذ استقلال البلاد في 1956. و حذّر مراقبون من أن الأزمة قد تكون لها تداعيات أكبر إن لم يتم نزع فتيل الخلاف الذي ظهر بسبب تداعيات كورونا وتعطل المرفق القضائي، ما تسبب في خسائر كبيرة للمحامين خاصة الشباب منهم وحديثي العهد بالمهنة.
(المصدر: الرؤية)