غداة قراره الغاضب بتعليق التمويل الأمريكي لمنظمة الصحة العالمية، حوّل الرئيس دونالد ترامب غضبه إلى كونغرس بلاده، وهدد باستخدام صلاحيات دستورية لم يسبق اللجوء إليها من قبل، لفرض إقرار تثبيت قضاة وتعيينات أخرى تحتاج في العادة إلى تصديق مجلس الشيوخ، متهماً الديموقراطيين في الوقت نفسه بعرقلة جهوده لمكافحة وباء كورونا، وشل إجراءات المساعدة الاقتصادية.
يملك مجلس الشيوخ، الذي يهيمن عليه الجمهوريون حالياً، صلاحية إقرار أو رفض تعيينات الرئيس في مناصب استراتيجية، من أعضاء الإدارة إلى رؤساء الوكالات الحكومية، وقضاة المحكمة العليا، والسفراء، والقضاة الفدراليين. لكن مجلس الشيوخ علّق جلساته العامة بسبب جائحة (كوفيد-19)، لغاية الرابع من مايو، وهو حالياً يلتئم كل 3 أيام في جلسات «إجرائية» قصيرة لا يشارك فيها سوى عدد قليل من أعضائه. و تتيح هذه الجلسات تسيير عمل المجلس، إلا أن أي قرار يصدر عنها لا بُدَّ وأن يتم بالإجماع، وليس بالأكثرية، ما يعني أنه رهن بموافقة الأقلية الديموقراطية عليه، وهو أمر تعقده الانقسامات السياسية. و قال الرئيس الجمهوري، خلال مؤتمره الصحفي اليومي في البيت الأبيض، بشأن تطورات فيروس كورونا المستجد في البلاد: «إن ما يحدث الآن من مغادرة المدينة مع عقد جلسات إجرائية وهمية، هو تقصير في الواجب حيال الأمريكيين، الذين لا يمكنهم تحمل ذلك خلال هذه الأزمة».
و دعا ترامب زعيم الأكثرية الجمهورية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، إلى تعليق كل الجلسات، ليتمكن من استخدام مادة في الدستور، ويثبت تعيين مرشحيه في المناصب. و قال: إن «الدستور ينص على آلية تتيح للرئيس إقرار تعيينات في مثل هذه الظروف». و أضاف: «يجب على مجلس الشيوخ القيام بواجبه والتصويت على المرشحين، وإلا عليه أن يعلّق رسمياً كل جلساته، بما فيها الجلسات الإجرائية لكي أتمكن من القيام بهذه التعيينات». و تابع: «إذا لم يوافق» مجلس النواب الذي يهيمن عليه الديموقراطيون، «على هذا التعليق فسأمارس صلاحياتي الدستورية في تعليق عمل الكونغرس بمجلسيه». و أضاف: «أفضّل ألا أستخدم هذه الصلاحية». و لم يبد ميتش ماكونيل مستعداً لتنفيذ توجيهات الرئيس، لكنه تجنب في الوقت نفسه الرد بشكل مباشر على تهديده.
و قال ناطق باسم زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ: إن ماكونيل تواصل مع ترامب، «وتعهد بإيجاد وسائل لتثبيت المرشحين الذين يعتبرون أساسيين في مكافحة وباء (كوفيد-19)، لكن حسب قواعد مجلس الشيوخ، يتطلب ذلك موافقة السناتور تشاك شومر، زعيم الأقلية الديموقراطية في مجلس الشيوخ الأمريكي. و سارع المؤرخ مايكل بيشلوس، المختص في التاريخ الرئاسي الأمريكي، إلى التعليق على تصريح ترامب بالقول في تغريدة على تويتر: «لم يسبق لأي رئيس في تاريخ الولايات المتحدة أن استخدم السلطة الدستورية لتعليق عمل الكونغرس». من جهته، قال جوناثان تورلي، أستاذ الحقوق في جامعة جورج تاون: إن الصلاحية الدستورية التي يتحدث عنها ترامب لم تستخدم يوماً من قبل ويجب ألا تطبق في الوقت الراهن».
و استبق ترامب منتقديه بالقول: «ربّما لم يسبق أن حصل هذا الأمر، لكننا سنفعله»، مشدداً على أن التعيينات العالقة في مجلس الشيوخ تنعكس سلباً على إدارة أزمة الوباء. و قال: «نحن بحاجة لهؤلاء الناس هنا، نحن بحاجة إلى أشخاص في هذه الأزمة، ولا نريد أن نلعب مزيداً من الألاعيب السياسية». و توقع الرئيس أن تؤول الكلمة الفصل في هذه المسألة في نهاية الأمر إلى القضاء. وقال: «على الأرجح سنتواجه في المحكمة وسنرى من سيربح». من جهة أخرى، اتهم ترامب الديموقراطيين في الكونغرس بعرقلة تخصيص 250 مليار دولار إضافية مخصصة للشركات الصغيرة والمتوسطة.
و يفترض أن يضاف هذا المبلغ إلى 350 مليار دولار، أدرجت أساساً في خطة إنعاش الاقتصاد الأمريكي التي تتجاوز قيمتها ألفي مليار دولار، وأقرت في نهاية مارس. و يقول الديموقراطيون إنهم يريدون التأكد من أن هذه الأموال الإضافية ستوزع على كل الشركات الصغيرة والمتوسطة، ويطالبون بالموافقة في الوقت نفسه على 250 ملياراً من المساعدات الإضافية المخصصة للمستشفيات والسلطات المحلية، التي تخوض حملة مكافحة (كوفيد-19) في الصف الأول
(المصدر: الرؤية)